بقلم قاسم طفيلي، رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية

أصدقائي وزملائي الأعزاء، إنه لمن دواعي سروري أن أشارك اليوم في هذه الندوة التي تقام في ظل ثلاثة أحداث رئيسية: 

– الدورتان الجاريتان في الصين – الاجتماعات السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني واللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والتي من المتوقع أن تركزا على القضايا الاقتصادية وتحسين حياة الشعب.

ثم تجديد انتخاب شي جين بينغ كرئيس وهو ما يؤكد الدور القيادي والريادي والاستثنائي الذي يلعبه في قيادة البلاد في رحلتها الجديدة نحو التحديث والتنمية. ولا يسعنا هنا الا ان نتقدم بالتهنئة الحارة لشعب الصين وحزبها وقيادتها على هذا الانتخاب.

الحدث الكبير الثالث هذا الأسبوع يتعلق بمنطقتنا، حيث يجب أن نشكر الصين على الجهود التي أسفرت عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران وهو ما يفتح طريقا للسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ويقدم قدوة للدول لاستخدام الحوار والتشاور لحل الخلافات والنزاعات.

ويمكننا اعتبار هذا الإنجاز امتداداً لنجاح القمم الأربع التي شهدناها منذ بداية العام: القمة العربية الصينية، والقمة الصينية السعودية ، والقمة الصينية الخليجية ، والقمة الصينية الإيرانية ، ومن الطبيعي أن نأمل أن تبدأ منطقتنا في رؤية بعض الحلول للعديد من النزاعات التي تمهد الطريق لبيئة أفضل للتنمية.

بالعودة إلى الموضوع الرئيسي لهذه الندوة، يمكننا القول إنه وعلى رغم الصعوبات والتوترات العالمية فان هناك فرصًا واعدة لدفع التعاون العربي الصيني إلى مستويات اعلى على اكثر من صعيد وهو ما يتعزز بالتأكيد كلما استعاد الاقتصاد الصيني عافيته وزخمه. 

لقد نما الاقتصاد الصيني بنسبة 3 في المئة في عام 2022 على الرغم من الضغوط التنازلية، وتجاوز 17 تريليون دولار أمريكي. بذلك، تبقى الصين في مقدمة دول العالم في نسبة التنمية. 

ومنذ بداية هذا العام، أظهر الاقتصاد الصيني انتعاشًا قويًا وحيوية لافتة. في الوقت الذي رفعت فيه المؤسسات الدولية توقعات النمو في الصين، زادت الشركات متعددة الجنسيات من الاستثمار في الصين، كما أن أسعار السلع الأساسية العالمية في طريقها إلى الارتفاع مدفوعة بانتعاش الطلب المحلي في الصين.

وفي حين يؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين، بإن الاقتصاد الصيني لديه جين خاص للانتعاش، ليس هناك شك في أن التنسيق الفعال للسياسات هو من بين العوامل الرئيسية التي تساعد في عودة الاقتصاد الصيني إلى طبيعته. اقتصاد الصين مرن وسياساته لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية منسقة للغاية وطويلة الأجل بطبيعتها. بالإضافة إلى ذلك، توفر السياسات الاقتصادية الصينية مزايا مؤسسية قادرة على توفير عناصر الاستقرار للتشغيل الفعال للسوق على أساس التنمية الاقتصادية المتطورة في البلاد. 

على سبيل المثال، يمكننا أن نقول إنه في حين أن السياسة النقدية للصين يمكن أن تضمن سيولة وفيرة بشكل معقول، يمكنها أيضًا طرح سياسات داعمة، مثل توسيع الحوافز الضريبية والرسوم للمؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، للشركات التي تواجه صعوبات مالية، وكذلك للتنمية الخضراء والتقدم التكنولوجي.

في حين أن الكثير من دول العالم تقوم بتشديد سياستها المالية والنقدية، فإن جميع المؤشرات تظهر أنه من المرجح أن تظل الصين الحكومة الرئيسية الوحيدة المنخرطة في التيسير الجاد للسياسة المالية والنقدية مما سيبقي الصين مرة أخرى محركًا رائدًا للنمو الاقتصادي العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من إعادة الهيكلة الاقتصادية، فإن المزيد من السياسات لتعزيز القدرة على الإنفاق لدى الناس، والإسكان الأفضل، و تشجيع استخدام سيارات الطاقة الجديدة ، ورعاية المسنين ، فضلاً عن الأشكال الأخرى من طلبات الاستهلاك الجديدة، ستطلق العنان لإمكانات الاستهلاك.

العامل الآخر الذي يجعل الاقتصاد الصيني مختلفًا عن الآخرين هو البيئة الصناعية الفريدة. إنه يتميز بأكبر نظام صناعي كامل في العالم، وسلسلة إمداد مستقرة وآمنة وشبكة بنية تحتية عالية الاتصال، مما يمكّن الشركات المحلية والأجنبية في الصين من التمتع بمزايا لا تضاهى من حيث التكلفة والكفاءة والابتكار.

مع تعزيز الانتعاش الاقتصادي للصين، أصبح الاستثمار في الصين خيارًا استراتيجيًا عالميًا لعدد متزايد من الشركات متعددة الجنسيات لتعزيز توزيعها لسلسلة التوريد في الصين على عكس ما يروج له البعض.

بالإضافة إلى ذلك، من خلال الإصلاح الهيكلي لجانب العرض والتنمية الاقتصادية عالية الجودة، تستكشف الصين باستمرار نماذج جديدة للتنمية الصناعية. وقد مهدت السوق الموحدة الكبيرة جدًا في الصين وسلسلة الصناعة التحويلية بها الطريق لتطبيق التكنولوجيا الجديدة والتكامل والتطوير. 

لقد حققت الصين إنجازات ملحوظة في صناعة السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا الفضاء، وأن التطوير عالي الجودة يعزز بشكل كبير الابتكارات واستدامة النمو الاقتصادي الصيني.

بطبيعة الحال، يعد الانفتاح أيضًا مفتاحًا للنجاح الاقتصادي للصين. من أجل ذلك، نرى أن الصين تواصل تعزيز الانفتاح رفيع المستوى على العالم الخارجي والتكامل الكامل للأسواق والموارد المحلية والدولية. وهذا يخلق فرصًا جديدة لدول العالم والدول العربية لتعزيز تعاونها الاقتصادي مع الصين من أجل المنفعة المتبادلة.

يصادف هذا العام الذكرى العاشرة لمبادرة الحزام والطريق حيث وقعت الصين، على مدار العقد الماضي، اتفاقيات تعاون مع 151 دولة و32 منظمة دولية، و قد ارتفعت تجارتها مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق بنسبة 19.4٪ في عام 2022 مقارنة بالعام السابق. ومن المتوقع أنه مع إعادة فتح الصين، سيكون هناك انتعاش كبير في الطلب بين المستهلكين الصينيين. نظرًا لأن العديد من دول المنطقة تتاجر مع الصين، فإن ذلك سيفيد صادراتها إلى الصين يجب أن يكون مفيدًا لجميع سلاسل القيمة التي ترتبط بها الصين.

وفي الوقت نفسه، تلتزم الصين أيضًا بتحسين بيئة أعمالها، وتنسيق أسواقها الداخلية والخارجية ومشاركة عوامل الإنتاج والموارد بشكل أكثر كفاءة.

قالت وزارة التجارة الأسبوع الماضي إن الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني، في الاستخدام الفعلي، توسع بنسبة 14.5 في المئة على أساس سنوي إلى 127.69 مليار يوان في يناير. ومن حيث القيمة بالدولار الأمريكي، ارتفع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 10 في المئة على أساس سنوي إلى 19.02 مليار دولار.

بالإضافة إلى هذه البيانات المشجعة، هناك المزيد من السياسات لدعم الانفتاح المؤسسي. في عام 2022، نفذت الصين القائمة السلبية المختصرة للاستثمار الأجنبي بالكامل، ووسعت قائمة الاستثمار المشجع، وأضافت المزيد من المدن إلى البرنامج التجريبي لفتح قطاع الخدمات. 

باختصار، ان العالم باسره والعالم العربي يتأثر بما يجري في الصين وبنتائج السياسات المتبعة والتي انتجت الكثير من الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية. ويكمن القول انه على الرغم من حقيقة أن البلاد واجهت العديد من أوجه عدم اليقين العالمية وسياسات الحرب التجارية المؤسفة التي اعتمدتها بعض البلدان، فإن الصين حكومة وشعبًا عازمة ومثابرة على استدامة التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي. وهو ما يشكل بدوره بيئة صالحة ومؤهلة لتطوير العلاقات مع الدول العربية.

أخيرًا، اسمحوا لي بملاحظة ختامية واعتذر لو كنت قد اطلت.

خلال الشهرين الماضيين بعد زيارة الرئيس شي إلى المملكة العربية السعودية والقمم الثلاث، تمكنت شخصيًا من المشاركة والمواكبة القريبة لعدد من الأنشطة والفعاليات في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والتي تمحورت بمعظمها باتفاقات ومشاريع تعزز التعاون الاقتصادي بين الجانبين. وأستطيع القول من دون أية مبالغة، اننا نشهد ارتفاعًا فعليًا كبيرًا ومطردًا في مستوى التعاون الاقتصادي المتبادل في مختلف المجالات وعلى صعيد الاستثمارات المتبادلة بما في ذلك مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والرعاية الصحية والزراعة والتعليم والسياحة.

هذه مجرد بداية لفرص كبيرة قادمة. 

إنها لحظة رائعة لتطوير الشراكة العربية الصينية المفتوحة على فرص انية ومستقبلية واعدة ومفتوحة من أجل المنفعة المتبادلة.