رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية، مؤسس ومدير مركز أبحاث العصر الجديد الأستاذ قاسم طفيلي
الصداقة العربية الصينية عميقة الجذور في تاريخ كلتا الحضارتين، إذ تمتد لأكثر من 2000 عام، وقد اتخذت في التاريخ الحديث مسارًا ثابتًا قوامه التطور التدريجي، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر في العام 1956، عندما دعمت الصين مصر في موقفها من تأميم قناة السويس، وبعدها دعمت الصين حركة التحرر الوطني العربي، وساهمت في تنميتها الوطنية واستقلالها. لكن الموقف الرئيس الذي اتخذته الصين تجاه العرب هو استمرار دعمها للشعب الفلسطيني، في مقاومته ونضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتأييدها لحقه في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة. في المقابل، أيدت الدول العربية استعادة الصين حقها المشروع كعضو في الأمم المتحدة، وواحدة من الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
منذ عام 2004 تاريخ إنشاء “منتدى التعاون العربي الصيني”، تمتعت العلاقات الثنائية العربية الصينية بتطور مطرد، يشمل العديد من المجالات، من الدعم السياسي المتبادل، إلى التعاون الاقتصادي، إلى العلاقات التجارية، إلى التبادلات الثقافية والتربوية، وغيرها من المجالات. ويمثل “منتدى التعاون العربي الصيني” منصة مهمة، لعبت دورًا حاسمًا في تعزيز العلاقات بين الطرفين.
منذ عام 2012، شهدت العلاقات العربية الصينية تقدمًا كبيرًا على جبهات مختلفة، كان أبرزها زيارة الرئيس شي جين بينغ، في كانون الثاني/ يناير 2016، مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، حيث ألقى كلمة مهمة، وطرح خطة عمل للتعاون الصيني العربي، في إطار مبادرة “الحزام والطريق” التي تشمل أربعة محاور:
1– رفع راية السلام والحوار واتخاذ الإجراءات لتعزيز الاستقرار.
2- تعزيز التعديلات الهيكلية واتخاذ إجراءات للتعاون الخلاق.
3- دفع العملية الصناعية في الشرق الأوسط واتخاذ الإجراءات لتحقيق ذلك، والتنسيق في مجال الطاقة الإنتاجية.
4- الدعوة إلى التواصل والمنفعة المتبادلة بين الحضارات واتخاذ إجراءات لتعزيز الصداقة.
كما أصدرت الصين، في كانون الثاني/ يناير 2016 أيضًا، كتابها الأبيض بعنوان: “ورقة سياسة الصين العربية” الذي لخصت فيه تجربة تطوير العلاقات الصينية العربية، وقدمت مخططًا للتعاون المتبادل المنفعة بين الصين والعرب، وأكدت الإرادة السياسية للالتزام بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، من أجل الارتقاء بالعلاقات الصينية العربية إلى مستوى جديد وأعلى.
وعقدت قمة مصغرة أخرى ناجحة في بكين، في تموز/ يوليو 2018، توجت بمشاركة كل من الرئيس شي جين بينغ، وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وأكدت تلك القمة أهمية تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية، والتعاون المشترك، والمنفعة المتبادلة، والتعاون المربح للجانبين.
ودأبت الدول العربية والصين عقد اجتماعها الوزاري الدوري لـ”منتدى التعاون الصيني العربي” خلال 18 عامًا ، مشددة على أهمية تطوير العلاقات بين الجانبين وتحسينها. وفي الدورة التاسعة التي اختتمت في تموز/ يوليو 2020 وأصدرت “إعلان عمان” الذي أظهر تقدمًا ملحوظًا في العلاقات، اتخذت الدول العربية والصين قرارات مهمة، أحدها تنظيم قمة عربية صينية في المملكة العربية السعودية في 9 ديسمبر 2022. وذكر في “إعلان عمان” أن الجانبين الصيني والعربي اتفقا على “بناء المجتمع العربي الصيني من أجل مستقبل مشترك”، وتقديم ذلك إلى القمة المقبلة.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه بالتوازي مع التقدم الذي أحرزه “منتدى التعاون العربي الصيني”، عقدت 5 دورات لمعرض الصين للدول العربية بنجاح، بعد افتتاحه في العام 2013 في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي، ولعب المعرض دورًا مهمًا كمنصة لتحسين التجارة والتعاون العملي الذي يغطي مجموعة واسعة من المجالات.
إن التعاون العربي الصيني على وشك الانطلاق في رحلة جديدة، من شأنها أن ترفعه إلى مستويات جديدة أعلى متوقعة، كنتيجة للقمة العربية الصينية الحالية التي لا بد من أن يلتزم الجانبان فيها بالمبادئ الخمسة للاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.
لذلك فإن القمة العربية الصينية التي تعقد هذا الأسبوع مترافقة مع قمة صينية سعودية، وقمة صينية خليجية، تأتي في سياقها الطبيعي، وفي سياق حرص الجانبين على تعزيز جودة علاقتهما، وبناء مجتمع المستقبل المشترك. وهي قمة تاريخية سوف تترك آثاراً مهمة على مستقبل الخليج والمنطقة العربية إجمالا.
*رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية، مؤسس ومدير مركز أبحاث العصر الجديد