https://strategicfile.com/مراجعة-كتب/الخوري-وسرور-وحيدر-في-مناقشة-كتاب-اليا/

 

عُقِدت ندوة في قاعة جريدة “السفير” في الحمرا حول كتاب الباحث العسكري والاستراتيجي العميد الياس فرحات بعنوان “الكونفوشيوسية الميسّرة وتاريخ الصين”، وذلك بدعوة من منتدى تحوّلات ودار زمكان، بمشاركة الكاتب في الاقتصاد السياسي ونائب رئيس الجمعية العربية ـ الصينية للتعاون والتنمية الدكتور بيار الخوري، الأستاذ الجامعي والمتخصص في الشؤون الآسيوية والصينية الدكتور نبيل سرور، والباحث في الفكر الفلسفي ورئيس تحرير فصلية “علم المبدأ” الدكتور محمود حيدر، وعدد من المحللين والشخصيات الفكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية. وقدّمتها الزميلة هزار يتيم.

 

وشارك من الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية الاستاذ قاسم طفيلي رئيس الجمعية، الدكتورة ماري حبيب أمينة الصندوق ومديرة الشؤون الاقتصادية للجمعية، الأنسة اسيل عيسى عضوة لجنة امانة سر الجمعية.

 

                                                                                                                                   

وقال العميد الياس فرحات في مداخلته: ‎يشكل هذا الكتاب مدخلاً مبسطاً لدراسة تاريخ الصين وللكونفوشيوسية، أقدّم فيه فكرة موجزة قدر الإمكان عن الكونفوشيوسية وتاريخ الصين، تشكلت من ثلاث زيارات الى الصين، اثنتان منها حضرت مؤتمر معهد كونفوشيوس الدولي الذي أتشرّف أن أكون عضواً فيه، ومن قراءات عديدة لكتب ونشرات متعدّدة حول التاريح والعقيدة الكونفوشيوسية بحيث تمكنت من وضع هذا الكتاب. من أراد التبحّر والتعمّق في دراسة التاريخ والعقيدة يشكل هدا الكتاب منطلقاً لقراءة مراجع كبيرة وهامة وبلغات متعددة.

 

يدخل الاطلاع على الكونفوشيوسية اليوم في باب البحث عن العامل الايديولوجي والإيماني والثقافي الذي يقف وراء النهضة الصينية الصاعدة والتي بدأت تعلو كقوة اقتصادية عالمية تكاد تصل الى الموقع الأول في اقتصادات العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. تنتشر الثقافة الكونفوشيوسية في الصين وفي اليابان وهي الاقتصاد الثالث في العالم وكوريا الجنوبية التي حققت معجزة اقتصادية بفضل معرفة مواطنيها وعملهم الدؤوب. ولا ننسى كوريا الشمالية الدولة التي حققت تقدّماً تكنولوجياً عالياً وأصبحت دولة نووية تتحدّى الولايات المتحدة.

أضاف: لم تشهد الكونفوشيوسية انقسامات ولا مذاهب ولا خلافات على الطقوس ولا فكراً مشابهاً ولا انشقاقات ولا أفكار موازية للفكر اللاهوتي المسيحي او الفقه الاسلامي او الفكر الصوفي وغيره. كانت الكونفوشيوسية متصالحة مع الماضي الوثني ولم تطرحه للمناقشة ولم تكرّس جهودها لإلغائه ولا لإظهار صحته او عدمها ولم تحدث نزاعات بالقوة المسلحة حول هذه العقائد لا حماية لها ولا رفضاً لها، بل أبقته كما هو وانصرفت الى بناء الأخلاق والفضيلة وحسن التعامل وطاعة الأبوين .

 

وتابع العميد فرحات: لم تكن الصين يوماً في تاريخها دولة استعمارية ولا فاتحة ولا توسعية كامبراطوريات منطقتنا. لم تحتلّ أراضي ايّ بلد مجاور، بل تعرّضت في تاريخها لغزوات البدو وللاحتلال المغولي في القرن الثالث عشر وللاحتلال الياباني والبريطاني والى حدّ ما الفرنسي والألماني في القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

‎يتضمّن الكتاب مقدّمة وثلاثة فصول. الفصل الأول موجز لتاريخ الصين منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد الى القرن الحالي الواحد والعشرين. والفصل الثاني يبحث في العقيدة الكونفوشيوسية وسيرة كونفوشيوس وكتبه. والفصل الثالث ترجمة عن الانكليزية لكتاب المختارات ويعتبره الباحثون بمثابة انجيل كونفوشيوس.

 

أما الدكتور بيار الخوري فاعتبر أنّ هذا العمل إضافة قوية للمكتبة العربية حول الصين والظاهرة الكونفوشيوسية، وقال: إنّ تأثير كونفوشيوس على الثقافة والفلسفة الصينية والعالمية لا يزال كبيراً. كما أنّ تعليماته وتعاليمه المتعلقة بالأخلاق والعلاقات الاجتماعية والحكمة لا تزال تؤثر على العديد من الناس وتُدرّس في الجامعات والمدارس حتى يومنا هذا.

 

واضاف: ورغم انّ الكونفوشيوسية هي نظام فكري وأخلاقي شديد الترابط والانتظام، يمكن مناقشة بعض أوجه الشيه والاختلاف المحتملة في الكونفوشيوسية بالمقارنة مع الأديان السماوية وهو أمر تحاشى الكاتب الغوص فيه رغم وجود بعض الفقرات المعروضة بشكل مقارن.

 

دعوني أتوقع الى اين يمكن أن يذهب الياس فرحات في ايّ جهد كتابي مستقبلي جديد، وطالما انّ الكتاب يتشكل من شقين أساسيين وترجمة في شق ثالث، فإني قد تلمّست من غير المعلن في الكتاب انّ فرحات يرغب في التعمّق أكثر في علاقة الصين الحديثة بالكونفوشيوسية وهو بحث هام رغم مخاطرة الدمج بين الفكر المادي والمرجعية الروحية للثقافة لكنه عمل واجب وباب بحث كبير. أراه ممكناً في فهم دور الكونفوشيوسية في حلّ مشكلة تناقضات البشر بين المخزون الروحي والحقيقة المادية طالما انّ الكونفوشيوسية ليست ولا تدّعي انها دين.

 

ورأىّ الدكتور نبيل سرور أنّ الكونفوشيوسية أثرت في منهج وحياة الصينيين… فحدّدت لهم أنماط الحياة، ومنظومة القيَم الحاكمة للسلوك السّوي… كما وفرت للمنظّرين الصينيّين في السياسة والفكر والإقتصاد والدبلوماسية، المبادئ التي قامت عليها النظريات والمؤسسات السياسية في الصين …

 

كان لا بـُدّ من التأسيس التاريخي للصين سياسياً وفكرياً… وذلك في سبيل مقاربة واقع الصين الحالي ومدى تأثره بأفكار كونفوشيوس… وعليه كان لا بدّ للمؤلف من استعراض تاريخ الصين في ماضيه وحاضره… بدءاً من أسرة (منغ 1368 ـ 1644) و(تشانغ 1644 ـ 1611) وصولاً الى انتشار قومية (الهان) التي تعتبر أقوى وأكبر القوميات في الصين… ويورد المؤلف موضوع بناء سور الصين العظيم لإتقاء غزوات البدو والتتار، وحرب الأفيون الأولى والثانية ودخول اليابان واحتلالها الصين، ودخول فرنسا وبعدها الولايات المتحدة الأميركية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومساندتها قوات الكومنتانغ بقيادة شانكاي تشك ضدّ الشيوعيين بقيادة ماوتسيتونغ، حيث انتتصر الشيوعيون عام 1949، وتمكنوا من طرد الكومنتنغ الى خارج الـَبر الصيني، وانحصروا في جزيزرة فورموزا، أو ما يُعرف في يومنا هذا بتايوان …

 

وأشار الباحث في الفكر الفلسفي الدكتور محمود حيدر في مداخلته إلى “راهنية وأهمية البعد المعنوي والوجداني والأخلاقي الذي تمنحه الكونفوشية لحضور الصين في الحضارة الإنسانية المعاصرة”، ورأى حيدر أنّ “الاحتدام بين حضارات العالم اليوم يدور في العمق حول المعنى والهوية والوجود فيما العامل الاقتصادي على أهميته الحاسمة في تشكلات وتوازنات النظام الدولي الجديد يشكل أحد تجليات هذا الاحتدام.. ولقد أدرك العقل الصيني حقيقة انّ الحضور في العالم يقوم على مبدأ الانسجام والتكافؤ مع الأمم العالمية لا وفق منطق الغلبة والهيمنة التي مارستها المركزية الغربية على امتداد قرنين كاملين”.