تحلّ هذا العام ذكرى مرور خمسين سنة على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والصين (1971 ـ 2021)، وهي مناسبة تستحقّ التوقف عندها مليًا كونها من كلّ النواحي تمثل نموذجًا يُحتذى في العلاقات بين الدول.

طبعًا لا مجال للمقارنة في القدرات والإمكانات بين الصين ولبنان، الصين دولة عظمى ولبنان دولة صغيرة، لكن هذه المسألة لم يكن لها مكان على الإطلاق في طبيعة العلاقات بين الدولتين، لأنّ المميّز لدى الجانبين هو أنهما يستندان إلى تاريخ حضاري عريق يمكن البناء عليه لجعل العلاقات بينهما أكثر تميّزًا.

ولذلك نجد أنّ العلاقات بين البلدين كانت دائمًا تقوم على الاحترام المتبادل، خاصة أنّ الصين كدولة عظمى منذ زمن طويل لم يُسجّل في كلّ حقبات تاريخها أنّ لها أيّ توجّه استعماري، بل على العكس من ذلك تمامًا، حيث لا مطامع لها بما لدى الآخرين، بل تتركّز أهدافها على كلّ ما هو إيجابي ومفيد للجميع في كلّ المجالات.

ولعلّ مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين في السنوات الأخيرة تشكل خير دليل على طريقة العمل والتفكير لدى كبار المسؤولين الصينيين،، حيث يتجلى هدف هذه المبادرة في العودة إلى تاريخ عريق من العلاقات التجارية، وما يمثله “طريق الحرير” لكلّ الدول المعنية به، وتحديدًا للبنان الذي يحتلّ موقعًا استراتيجيًا على هذا الطريق، مع الإمكانيات الكبيرة بل العملاقة التي توفرها هذه المبادرة، خاصة أننا اليوم نعيش عصر التطور التكنولوجي الهائل، والذي يعطي المبادرة ميزات عظيمة تجعلها تحقق أهدافها كاملة.

وهنا لا بدّ من التنويه بالدور الطليعي الذي تقوم به سفارة الصين في لبنان وحرصها على تحقيق كلّ ما يعود بالفائدة والخير للشعب اللبناني.

كذلك، نحن في لبنان نعوّل كثيرًا على صداقة الصين وتعاطيها المميّز من خلال تقديم كلّ المبادرات التي من شأنها أن تساعدنا على تجاوز الصعوبات الكبيرة التي نواجهها في هذه المرحلة على المستويات كافة، لا سيما على صعيد الملفات الاقتصادية والاجتماعية.

والحقيقة أنّ الأصدقاء في الصين لم يقصّروا على الإطلاق في مدّ يد العون للبنان، بدءًا من المساعدات المقدمة للجيش اللبناني في أكثر من مجال لا سيما تسليم هبة للجيش هي عبارة عن 100 آلية عسكرية (40 شاحنة و60 جيب) مع قطع الغيار العائدة لها، كما قدمت الصين مساعدة صحية قيّمة للدولة اللبنانية والجيش اللبناني لمواجهة جائحة كورونا، وهي عبارة عن هبة من حوال 500 ألف جرعة من اللقاح الصيني (سينوفارم) بالإضافة إلى مواد الوقاية والتشخيص.
كذلك قدمت الصين العديد من العروض في أكثر من قطاع أهمّها ما يتعلق بمشروع إقامة سكك الحديد بين الشمال والجنوب وبين بيروت والبقاع، ومشروع نفق حمانا ـ شتورا. وهناك مشاريع أخرى في مجال إنتاج الكهرباء، والمياه، والنفط، ومعالجة ملف النفايات…
العروض كثيرة، والمشاريع جاهزة بدراساتها وهندساتها وتمويلها، ولا ينقص للبدء في تنفيذها سوى قرار لبناني جريء بالتجاوب مع المبادرات الصينية، خاصة أنّ للبنان مصلحة أكيدة في تنفيذ هذه المشاريع كونه بأمسّ الحاجة لها أولًا، وثانيًا لأن لا قدرة مالية لديه حاليًا لتنفيذ مثل هذه المشاريع الحيوية لاقتصاده ولشعبه، وبالتالي لا بدّ من الاتفاق مع الأصدقاء الصينيين على تنفيذها، وهم مستعدون للقيام بما يتناسب مع المصلحة المشتركة على هذا الصعيد.

الأكيد أنّ العلاقات المستقبلية بين لبنان والصين ستشهد المزيد من التقدّم، وسيبني البلدان على الإيجابيات الكثيرة المشتركة بينهما، ولن يتمكّن أيّ كان من إعاقة هذا التقدّم، وفي النهاية لن يصحّ إلا الصحيح…

لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة: