تلعب اليوم جمهورية الصين الشعبية بشكل عام دورا مركزيا في قيادة الاقتصاد العالمي نحو مزيد من التطور والازدهار؛ حيث يعتبر اقتصادها الثاني بعد الولايات المتحدة الامريكية من حيث النمو في الناتج المحلي الاجمالي والمتوقع ان يصل في نهاية العام الحالي الى نسبة 5% حسب استطلاعات المكتب الوطني للإحصاء.

على الرغم من الخسائر الكبيرة التي عصفت بالاقتصاد العالمي خلال العامين الماضيين عموما نتيجة جائحة الكورونا والتي تركت لدى الصين خصوصا تعقيدات ومشاكل اقتصادية وتباطؤ في نمو الصادرات وارتفاع في اسعار تكاليف مختلف القطاعات ومنها القطاع الصناعي والتكنولوجي وقطاع العقارات؛ الا انها استطاعت الحكومة الصينية بما لديها من استراتيجية شمولية وقدرة علمية وتقنية عالية المستوى وسلطة قانونية صارمة من تخطي شتى العقبات والانطلاق نحو تبديد كافة العوائق والحواجز التي من شأنها تقييد الاقتصاد والحد من تطويره.

لقد عملت الصين الماركسية والماوية طوال العقود الماضية على تبني سياسات براغماتية خارج الإطار الايدلوجي؛ وذلك لأجل تحقيق مناخات قادرة على التأقلم مع العولمة التي اجتاحت النظام العالمي في القرن الواحد والعشرين، ولمواجهة التحدي الابرز التي تلعبه غريمتها الولايات المتحدة الامريكية على الساحة الدولية في كافة النشاطات والعلوم، لكنها لم تتخلَ بكين يوما عن مبادئها الاشتراكية والشيوعية والتي عملت على تطويرها وتطويعها لخدمة التقدم والمنافسة مع الرأسمالية العالمية والتي تقودها واشنطن دون هوادة.

هذا ما يفسر لنا سياسات التدخل الحكومية الدائم لدى الصين ومحاولتها السيطرة على القطاع الحكومي أولا باعتباره ملكا لخدمة الأمة الصينية او محاولة خلق توازن ما بين ملكية الأعمال الخاصة وتقديم برامج شبكات الأمان والرفاه الاجتماعي والاقتصادي والمالي للأمة ثانيا.

من هنا وعلى سبيل المثال؛ كان تدخل الحكومة الصينية متمثلة بالبنك المركزي الصيني في قضية شركة “ايفرغراند” العقارية والتي تعرضت لاهتزاز مالي عنيف نتيجة التخلف عن سداد ديونها، تدخلا حاسما ومحوريا في الحفاظ على استقرار القطاعين الاجتماعي والمالي لديها.

لقدد حدد الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في مؤتمره الوطني الاخير والذي اعتبره البعض من اهم المؤتمرات التي رسمت وسترسم خارطة الطريق المقبلة للصين عالميًا وداخليا؛ في مواجهة كافة التحديات وتحديد الاهداف في سبيل تحقيق النهضة الشمولية العظيمة للأمة الصينية.

شدد الحزب الحاكم باختصار على التالي:

بناء الديموقراطية الاشتراكية تحت سقف وحكم القانون والتمسك بمبادئ الحزب وسلطة الشعب والذي هو سيد الدولة؛ والتوجه الدائم نحو الاصلاح التجريبي للنظام الرقابي الوطني والذي يشمل الاصلاح الاداري والقضائي وبناء نظام تقييد ومراقبة السلطة.

زرع وغرس مفاهيم القوة الناعمة الثقافية الوطنية والاهتمام بالرياضة التنافسية والاهتمام ببناء حضارة روحية تهتم بالإبداعات الفكرية والادبية والفنية.

الاهتمام الكبير ببناء الحضارة الأيكولوجية التي تعتمد على مفاهيم التنمية الخضراء وحماية البيئة الأحيائية وتخفيض كثافة استهلاك الطاقة وعدم الوقوع في اشكالية التناقض ما بين التخطيط للتقدم وبين الحوكمة البيئية اللازمة للرفاه، والصحة، وسعادة الأمة، وامنها.

الانفتاح الدائم والحضور الفعال في كافة الانشطة والندوات والمؤتمرات العالمية التي تناقش مشكلات البشرية العامة ومنها: البيئية والمناخية والسكانية والفقر والتعليم والبطالة والطاقة المتجددة.

تحاول القيادة الصينية دوما اظهار قدرتها كسلطة فاعلة على خلق توازنات ما بين التقدم وبناء الدولة الحديثة وبين الاحتفاظ بالموروث الايدلوجي الفكري الحضاري والثقافي القديم كي لا تخرج الامور عن السيطرة وكي لا تقع دولة عظيمة بحجم الصين في مصيدة الانهيار والتفكك وبالتالي خسارة الأمة الصينية لمكتسبات الانتصارات التي حققتها طيلة الاعوام الماضية في ظل قيادة حزب عقائدي يؤمن بالإنسان والمجتمع ومفهوم الدولة العادلة.

لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة: