كان مطلب قيام علاقات ديبلوماسية بين الصين الشعبية ولبنان واحدًا من المطالب الرئيسية للوطنيين اللبنانيين خلال فترة الستينات، اذ لم يكن يصدر بيان عن هذه القوى ، مجتمعة أو متفرقة، إلا ويتصدر هذا المطلب الذي لم يكن ينظر اليه كمجرد دعوة لإقامة علاقات بين دولتين ، بل مطلب يعبّر عن رغبة العديد من اللبنانيين بالخروج من املاءات القوى الغربية الكبرى التي كانت تسعى بعزل الصين بعد انتصار ثورتها الكبرى عام 1949 وتحاول ان تحصر تمثيل الصين الكبرى بين دول العالم بدويلة صغيرة كان اسمها الصين الوطنية..
ومن يقرأ التاريخ اللبناني المعاصر يلاحظ ان قيام علاقات بين الصين ولبنان قبل خمسين عامًا جاء كأحد مؤشرات التحول الهام الذي مرّ به لبنان وأحد مظاهر خروجه نسبيًا من عباءة هذه الهيمنة الغربية…
ونستطيع اليوم ان نقول ” ما أشبه اليوم بالبارحة” ففي لبنان تيار كبير يسعى الى توجه لبنان شرقًا، وتحديدًا نحو الصين التي أبدت مرارًا استعدادًا عبر رئيسها وكبار مسؤوليها لمساعدة لبنان في النهوض اقتصاديًا والخروج من القاع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أوصلته اليه السياسات المعتمدة من قبل المنظومة الحاكمة .
وفي لبنان اليوم، كما في الماضي، قوى خارجية ذات امتداد محلي تحاول بكل ما تملكه من وسائل وضغوط أن تمنع لبنان من تنمية علاقاته الاقتصادية والتجارية بالصين ودعوة الصين الى المساهمة في إعادة اعماره على غير مستوى .
واغلبية اللبنانيين يدركون اليوم، كما ادركوا في الماضي ، ان في قيام علاقات اقتصادية وتجارية وإعماريه مع الصين أمر يجمع بين هدفين مهمين عند اللبنانيين هما استقلال القرار اللبناني، وتنمية الاقتصاد اللبناني، بل ويدركون أيضًا ان الحصار المفروض على لبنان اليوم هو قرار سياسي لا يمكن مواجهته إلا بقرار سياسي جريء عبر الانفتاح على دول يمكن لها ان تساعد لبنان، لكن لبنان ممنوع من الاستفادة منها..
والصين التي باتت تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم ، تملك من القدرات الاقتصادية والخبرات المضنية ما يمكنها من مساعدة لبنان على التخلّص من أزمته الراهنة، ومن كافة أزماته البنيوية المزمنة لا سيما في مجالات الكهرباء والنقل. كما بات معروفًا من العروض الصينية على لبنان، ناهيك عن حاجة الصين العملاقة الى بلد صغير كلبنان له موقع استراتيجي مهم، ومكانة حضارية وثقافية مميّزة في المنطقة، وذلك في اطار مشروع “الحزام والطريق” الضخم الذي تنفق فيه الصين مئات المليارات من الدولارات…
لكن العلاقة بين الصين ولبنان، بل بين الصين وكل بلداننا العربية، تتعدى الجانب الاقتصادي والتجاري ( وان كانت القيادة الصينية تحرص على التركيز على هذا الجانب في علاقاتها مع الدول المختلفة)، الى الجانب السياسي حيث يشترك الشعبان الصيني واللبناني مع العديد من شعوب العالم في الرغبة في إقامة نظام عالمي متوازن ومتحرر من الهيمنة الأميركية وقادر ان يوفر ضمانات الاستقلال والتنمية لمختلف دول العالم بعيدًا عن الاملاءات السياسية والاقتصادية الخارجية التي وقفت وراء العديد من الأزمات التي تعيشها هذه الدول…
واذا كان اللبنانيون قد خاضوا في ستينات القرن الماضي بقيادة زعمائهم واحزابهم الوطنية معركة قيام علاقات دبلوماسية بين الصين ولبنان، فان لبنانيي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مدعوون على المستوى الرسمي والشعبي للتحرك من اجل قيام علاقات سياسية واقتصادية وتجارية مثمرة تسهم في إخراج لبنان من محنته المتنامية، وتعزز إرادة شعبية في الاستقلال والتنمية وبناء عالم اكثر عدلًا وتوازنًا.
لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا