من إيران إلى الدولة العبرية وغيرهما أُممٌ ودولٌ تنشط في حجز موقعها على طريق الحرير، لماذا لبنان استثناء؟

هل لبنان أكثر ارتباطاً بالمصالح الغربية من الصهاينة أو دول الخليج العربي او المملكة المغربية أو الجمهورية المصرية أو تركيا الأردوغانية؟

لماذا تكون دول جنوب اوروبا شريكة اساسية للصين ولماذا يخاف لبنان تعميق العلاقة معها؟

قدمت الصين الكثير من مبادرات حسن النيّة للحكومات اللبنانية المُتعاقبة، وليست هناك منّية في ذلك. فلبنان الذي يقع على مُفترَق طرق إستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط ​​بين آسيا وأوروبا مهمٌّ في خارطة إحياء الطرق والسكك الحديدية بين بيروت وطرابلس على ساحل البحر المتوسط ومدينتي حمص ودمشق السوريتين، وهو مدخلٌ للعراق وسوريا، وهما من أكبر المناطق التي ستشهد مشاريع إعادة الإعمار في العالم.

قبلت الصين بالضمانة السيادية للحكومة اللبنانية رُغم توقّف لبنان عن سداد ديونه الدولية، إذ تطرح الشركات الصينية مُعادلات شراكة اساسها ال “بناء – تشغيل – نقل” (BOT) في مجال البنية التحتية وهي حصلت على موافقة “ساينو هيدرو” (SINOHYDRO)، الهيئة الرسمية التي تمنح الموافقات للشركات الصينية للعمل في الخارج، بإعلان استعدادها للاستثمار في البنى التحتية في لبنان بقيمة 12 مليار دولار في الموانئ والسكك الحديدية والكهرباء وإدارة النفايات.

وبعد ان اندرج لبنان رسمياً ضمن الدول المُوقِّعة على مبادرة الحزام والطريق لاستعادة طريق التجارة التاريخي المعروف بطريق الحرير، إنضم لبنان في 26 حزيران (يونيو) 2018 إلى البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية ( AIIB) بعد موافقة مجلس محافظي البنك على الطلب الذي كان مُقدّماً له. وهذا البنك انشأ كإستجابة لفجوة التمويل الكبيرة في البنى التحتية في آسيا.

وقد تم اختيار بيروت مقرّاً لممثلية المجلس الصيني لتشجيع التجارة الخارجية أو ما يعرف بـ(China Council for the Promotion of International Trade (CCPIT))، التي ستغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وجاء اختيار لبنان بسبب اقتصاده الحر، ومناخه الإستثماري المنفتح (اين نحن من ذلك بعد عامين على الانهيار) وموقعه الاستراتيجي كمركزٍ تجاري مُهم في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة الى التسهيلات اللوجستية التي قُدِّمت للمجلس من قبل مجموعة مصرفية محلية لتسهيل مهمته في لبنان.

وقد سبق توقيع لبنان على اتفاقية الاطار للانضمام الى مبادرة الحزام والطريق توقيع اتفاقات تعاون في مختلف المجالات تقريباً من التجارة الى الثقافة والتعليم والسياحة والنقل بكافة أشكاله وحماية الاستثمارات، ولكن كل ذلك يعمل من جانب واحد حين تبادر الصين بوضع موازنةٍ لمشروعٍ مُحدّد أو مساعدة طارئة او تدخّلٍ إنساني.

حين نقول أن لبنان يفتقد استراتيجية للتنمية (وهو في الواقع يفتقد كدولةٍ البُعدَ الاستراتيجي في التعامل مع التنمية وغيرها)، فان أحد الامكنة المهمة التي يمكننا ان نرى معها خطورة فقدان الاستراتيجية هي تعامل لبنان مع مبادرة الحزام والطريق. فلا يعقل ان تكون كل دول المنطقة قد وجدت لاستراتيجيات دولها مكاناً في استراتيجية الصين لاستعادة طريق الحرير ولبنان عجز عن ذلك. في الواقع هذا البلد عاجز عن انتاج الاستراتيجيات.

حين نصبح قادرين على ذلك نستطيع ان نرى أين مصلحتنا في الشراكة مع الصين ضمن الاستراتيجية الوطنية للدولة، وقد نصل الى الاستنتاج الذي وصلته كل الدول المُوقّعة على الاتفاقية الى أن الاندراج الفاعل في المبادرة لا يتعارض حتى مع الاندراج في الفلك الغربي. يتوقّف ذلك على تحديد ماهية ما نريده كدولة من الغرب…ومن الصبن.

نحن نطوي اليوم خمسين عاماً من العلاقات الديبلوماسية بين لبنان والصين، وأربع سنوات على اتفاقية الإطار للحزام والطريق، وعلينا ان نتطلع إلى خمسين عاماً مقبلة أساسها معرفة لبنان ماذا يريد من الآخرين لا ماذا يريد الآخرون منه.

لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا