مقدمة

تختص بالقوتين العُظميين: الولايات المتحدة 3، 2، 1التنموية بالأرقام -أبدأ المقال بمقدمة غير اعتيادية: سرد بعض الوقائع الإقتصادية والصين.

الولايات المتحدة

– يبلغ الدخل القومي للولايات المتحدة (تقدير 2021) 22.937 تريليون دولار، أي تقريباً 24.2% من الدخل القومي للعالم أجمع

– يبلغ عدد سكانها في تقدير 2021: 333.8 مليون نسمة، أي تقريباً 4.2% من سكان العالم.

– معدل الدخل الفردي للمواطن الأمريكي تقدير2021: 69,375 دولار، أي 5.65 أضعاف معدل دخل الفرد العالمي

– يبلغ الدين الخارجي4 (2020) 15.93 تريليون دولار، أي مُوزعاً على مواطنيها: 6640,6 دولار للفرد الواحد، وهي مديونة للصين ب1.1 تريليون دولار كسندات الخزينة ألأمريكية

– مقدار المساعدات الخارجية للولايات المتحدة (2020): 35.5 مليار دولار، أي 95.5 دولار عن كل فرد و 0.16% من الدخل القومي

الصين

– يبلغ الدخل القومي الصيني (تقدير 2021): 16.863 تريليون أي تقريباً 17.8% من الدخل القومي للعالم أجمع

– يبلغ عدد سكانها تقدير 2021: 1.447 مليار، أي تقريباً 18.316% من سكان العالم

– معدل الدخل الفردي للمواطن الصيني تقدير 2021: 11,891 دولار، أي 0.97 معدل دخل الفرد العالمي

– يبلغ الدين الخارجي (2020) 728.9 مليار دولار، أي موزعاً على مواطنيها: 275 دولار فقط للفرد الواحد، بينما تمتلك سندات خزينة أمريكية بقيمة 1.1 تريليون دولار

– المساعدات الخارجية للصين (2020): 38 مليار دولار، أي 27.9 دولارعن كل فرد و 0.36 من الدخل القومي

القوتين الكبيرتين، تموضعهما الإقتصادي في العالم، ومساعداتهما الخارجية

الأرقام التي أوردناها أعلاه، تُبرز اختلافات صارخة بين القوتين الكبيرتين: الولايات المتحدة والصين، وتُظهران فارقاً شاسعاً في تموضعهما الإقتصادي الدولي من زاوية استفادة اقتصادهما من خيرات العالم وموارده.

بدايةً، في الوقت الذي يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة 4.2% من سكان العالم، فإن اقتصادها يوازي 24.2% من مجموع اقتصاد العالم، أي أن اقتصادها يمتص من اقتصادات العالم وموارده حوالي 5.8 أضعاف نسبة سكانها للعالم.

بالمقارنة، يسكن الصين 18.3% من سكان العالم ويوازي اقتصادها 17.8% من مجموع اقتصادات العالم، أي أن وطأة اقتصادها نسبة لعدد سكانها هي 0.97، أي أقل بقليل من حصتها من الإقتصاد العالمي نسبة لسكانها، بمعنى أنه ليس عبئاً عليه. تنعكس تلك المفارقة الكبيرة في معدل دخل الفرد السنوي في البلدين كما نرى في الأرقام أعلاه.

رغم ضخامة الإقتصاد الأمريكي واقتطاعه من الإقتصاد العالمي 5.8 أضعاف نسبةً لعدد السكان مقارنة بالإقتصاد الصيني الذي يقتطع نسبة متوازنة مع تعداد سكانه، فإن الدين الخارجي للولايات المتحدة يقارب حجمه 22 ضعف الدين الخارجي للصين. المسؤول الأكبر عن هذا الوضع هو تكلفة الحروب التي شنتها الولايات المتحدة خارج حدودها خلال السنوات ال30 الماضية، بتكلفة تتجاوز ال8 تريليون دولار. ترجمة هذا الوضع من المديونية، تكون قيوداً ثقيلة تكبل قدرة الولايات المتحدة على استخدام إمكاناتها الإقتصادية في الإستثمارات الداخلية والخارجية، مقابل حرية أكبر بكثير للصين في هكذا استثمارات.

ورغم التباين الهائل بين القوتين الكبيرتين في حجم الإقتصاد نسبة لعدد السكان، فإن الصين التي يبلغ سكانها 4.3 أضعاف سكان الولايات المتحدة، تُقدم مساعدات خارجية كنسبة من دخلها القومي، تبلغ 2.25 أضعاف ما تقدمه الولايات المتحدة، في حين أن الفرد الأمريكي الواحد يتحمل 3.4 أضعاف المبلغ الذي يتحمله الفرد الصيني الواحد من قيمة المساعدات الخارجية لدولته.

المساعدات الخارجية وقيمتها التنموية للدول النامية

نستنتج من العرض السابق، أن الصين، خلال السنوات القادمة، مهيأة أكثر بكثير من الولايات المتحدة للإستثمار في توظيفات تنموية خارجية واسعة. هذا لا يعني بالضرورة أن يكون القرار لدى الدول النامية بالتوجه نحو الصين مصدراً وحيداً للمساعدة في تنمية اقتصاداتها، وإنما ضرورة أن تكون امكانية المساهمة الصينية في خطط التنمية موجودة، من ضمن سلة دولية متوازنة من المساعدات الخارجية على شكل هبات أو قروض ميسّرة طويلة الأمد.

الذي نطرحه هنا، أنه على الدول النامية أن تبتدع خطة طويلة الأمد للتنمية المستدامة، مبنية على مباديء أساسية:

1. الفصل الكامل بين لقمة عيش المواطن والنزاعات السياسية الداخلية بين أرباب النظام. يعني ذلك فصل الوزارات والدوائر العاملة في المشاريع التنموية والخدماتية عن السياسة، لتكون بأيدي خبراء اقتصاديين في التنمية المستدامة باختصاصات زراعية، صحية، خدماتية، صناعية، وبيئية.

2. التركيز على تقوية الإنتاج المحلي من زراعة ومصنوعات، خاصة المحاصيل والمنتجات الاستراتيجية التي تدخل في تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع، المترافق مع تخفيض الإعتماد على الإستيراد. يكون الهدف الرئيسي للخطة تأمين المخزون الاستراتيجي من تلك المحاصيل والمنتجات، كنسبة وافية من الإستهلاك الوطني السنوي، عبر الإنتاج المحلي.

3. التباحث حول التمويل ومحاولة تأمينه من مصادر متعددة تحقق توازناً في العلاقات مع الدول الكبرى المختلفة، دون تغليب في المصادر لجانب أو آخر، وتجنب وضع مصدر معظم التمويل من سلة واحدة.

4. أن يكون توزيع المشاريع التنموية والبنى التحتية المًترافقة معها، متوازناً وفق التوزيع الديمغرافي السكاني، الجغرافي، والإجتماعي للبلاد.

النموذج اللبناني

الإنهيار الإقتصادي والمالي الذي يشهده لبنان منذ سنتين، ترافق مع تدهور سعر الليرة اللبنانية بأكثر من 1500 بالمئة، وتضخم أسعار السلع الأساسية قبل وبعد رفع الدعم عنها، بما يتراوح بين 5-15 ضعفاً، دون أن يترافق ذلك بزيادة ملحوظة في دخل المواطن والموظف الذي يقبض راتبه بالليرة اللبنانية. يعني ذلك تناقص القدرة الشرائية لشريحة واسعة من اللبنانين بما يتراوح بين 60 و90 بالمئة. كل ذلك ونظام الدولة في جمود شبه كامل وحالة من التسيّب والعشوائية الإجتماعية، الأمنية، المادية، والغذائية تسود المجتمع.

في ظل هكذا ظروف، هناك دور لا لبس فيه لجهود الإغاثة التي تمد يد العون لمئات آلاف اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم في انحدار متزايد لا قعر واضح له، تحت خط الفقر. لكن لا يجب أن تحجب تلك الظروف الضاغطة الرؤيا عن ضرورة وجود خطة للتنمية المستدامة طويلة الأمد، تضع الأسس الإقتصادية عامة، والأمن الغذائي خاصة؛ على سكة النمو التصاعدي المتسارع، لتكون جذور ثبات وديمومة في لبنان المستقبل.

التركيز على الأمن الغذائي ليس اعتباطياً وإنما ضرورة مُلحّة لحماية معاش الفئات الأقل اقتداراً في المجتمع اللبناني، ووضع أسس اقتصاد وطني سليم ومستقر. والمسار الأكثر ثباتاً في هذا الإتجاه يستند إلى تفعيل مشاركة شبكة واسعة من المزارعين عبر الجمعيات والتعاونيات الزراعية المحلية، في مشاريع زراعية تنموية، تهدف لزيادة الإنتاج المحلي بشكل تصاعدي متسارع، وبتركيز خاص على المحاصيل الاستراتيجية الأساسية في تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع، وهي: الحبوب والبقوليات، الخضار والفواكه الموسمية، الأشجار المثمرة للتصنيع الزراعي، الدواجن، الألبان والأجبان، والأسماك.

الخاتمة

لا بد أن يكون التركيزالأول في تنفيذ أية خطة طويلة الأمد للتنمية المستدامة في لبنان، في مجال الزراعة الموجهة لتحقيق الأمن الغذائي للمجتمع. من الضروري أن تشمل هكذا خطة جميع المناطق اللبنانية بشكل متوازن، وتغطي المجهود الإنتاجي المترافق بتأسيس بنى تحتية تؤمن احتياجاته الهيكلية والخدماتية.

أما مصادر التمويل لخطة التنمية طويلة الأمد في لبنان، فإن تنوع مصادرها يكون مصدر قوة وديمومة أكبر. هنا نرى ضرورة أن تدخل الصين وشبكات المغتربين اللبنانيين في دائرة تمويل مشاريع في التنمية المستدامة إلى جانب المصادر الأخرى المتعددة ومعظمها غربي المصدر أمريكي – أوروبي. كما أنه من الضروري خلال السنوات الأولى، أن تتولى تنفيذ مشاريع هكذا خطة ، منظمات غير حكومية قادرة، تمتلك الخبرات وشبكة العلاقات الحقلية مع المزارعين والهيئات والبلديات المحلية؛ على أن يتم تكامل تلك المشاريع مع مخططات الدولة المستقبلية بعد إعادة تنظيم هيكليتها وتعزيز قدراتها العلمية والتقنية.

لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا

المراجع

1. صندوق النقد العالمي: الآفاق الإقتصادية للعالم (أكتوبر 2021)

2. أطلس المعلومات العالمي (KNOEMA)

3. البنك الدولي

4. China vs United States Economy > Debt Stats Compared (nationmaster.com)