الإنسان الصيني هو كاللبناني من جهة حبهما للخير و طموحهما للتطور ، و تعرضهما المقدرات المالية. لكن الصينيون ادركوا ضرورة استخلاص العبر من التاريخ و التجارب، حتى ان تكرّس ذلك في وثائق الحزب الشيوعي الصيني حيث تشير احدى الفقرات الى انه عند كل منعطف تاريخي للبلاد تقوم لجنة مختصة بالبحث في الوقائع و احداث التاريخ لاستخلاص حكمة يعتمد عليها من اجل رسم خطة سياسية و وضع الاستراتجية الكلية للتنمية المستقبلية.
و عليه فقد تم تلخيص تاريخ الصين الحديث تحت اربعة عناوين: انقاذ، تأسيس، إثراء، تعزيز. و نحن اليوم في المرحلة الرابعة اي التقوية و التعزيز، هذه المرحلة تلت حقبة طويلة من النضال يتم فيها مراعاة ضرورات العصر الحديث في سبيل تحقيق نهضة عظيمة.
نجحت الصين في الماضي و هي تستعد حاليا لتسطير انجازات هائلة بفضل اعتمادها المبادئ الماركسية في تقدم الإنسانية، نجحت مؤسسات الدولة والحزب في مجاراة التغيرات المعاصرة كما في الوفاء بالتعهدات المستوجبة للعصر، ولها في المشاريع المستقبلية رؤى لمدى المئة عام القادمة تم عرضها عندما احتفل الحزب الشيوعي الصيني منذ أشهر بمئويته الاولى.
ومما جاء في كلمة الرئيس الصيني في تلك الاحتفالية، انه في اللحظة التاريخية الهامة، نجح الحزب والشعب بتحقيق اهداف المئوية الاولى، وحققا بناء مجتمع مزدهر تسوده العدالة، وهما اليوم يتحركان نحو تحقيق اهداف المئوية الثانية في إطار دولة اشتراكية حديثة. كما لفت الرئيس النظر الى معطيات محددة ضرورية لاتخاذ القرارات السليمة، والى وجوب الوعي الشامل والحزم، والثقة بالنفس، ملخصاً كل ذلك في مقطع آخر بعبارة: انها الحاجة الى تعزيز الثورة الذاتية للحزب وتحسين قدراته على القتال والاستجابة عند المخاطر والتحديات، وذلك للحفاظ على حيوية الحزب وتوحيد الشعب وقيادته لمواصلة النضال من أجل بتحقيق الحلم الصيني بالنهوض العظيم. من اجل تلك الاحتياجات وذلك الحلم ، بذلت الدولة كل جهد يمكن، مع التركيز على الإصلاحات الرئسية في سبيل إنجاح التنمية للفوز بحصاد مزدوج في الاقتصاد وفي البيئة.
ذلك يشمل تعزيز الكفاءات وتوجيه الاستهلاك مع إزالة الشوائب والأمراض كيلا تنخر العود الذي لم يعد فتيّا لكنه مازال غضّاً. ولطالما تربّص الخبثاء بالصين، لم يخجلوا من فعلتهم ولم يحترموا عقول من استمع اليهم، كما لم يكونوا يوما أوفياء لعهودهم. تجلت النوايا الماكرة والخبيثة في إعلان ترامب حربه التجارية ضد الصين، رافعاً التحديات الى مستويات خطيرة لا يمكن اصلاحها لاحقاً، وظهرت تأثيراتها السلبية على الوضع العالمي، ولم يتغير شيء بعد وصول بايدن إلى الرئاسة في الولايات المتحدة ولم تهدأ كرة النار التي اراد بعض الغرب ضرب الصين بها. واجهت الصين “كوفيد” وحدها، وأجادت صنعا، واجهت الفقر وحققت ارقاما غير مسبوقة في تاريخ البشرية، قدمت كل ما يمكن ان يضمن حياة كريمة للناس في البلدان المجاورة وكذلك في افريقيا والقارات الأخرى.
نظمت الصين معرض شنغهاي للاستيراد وليس للتصدير، واوجدت اوردة حول العالم مثل “طريق الحرير” و”طريق الحزام” … وقريبا دورة الألعاب الاولمبية في بكين، الصين لم تقاتل الدول الأخرى لا بالجيوش ولا بالإقتصاد ولا بتصدير الإيديولوجيات. اما على الجانب الآخر فلا يخفى على العالم ان الولايات المتحدة الاميركية، ومأجوروها، تحاول يائسة التدخل في شؤون الصين الداخلية بحجة قضايا حقوق الانسان، لابسة دور منارة الديمقراطية في الداخل والخارج. تؤجج التزامات الدموية، سرّا وعلانية.
ودون إحراج, تحت عناوين مخادعه، ومن الإبداعات الأميركية ان يدعو العم سام الى “قمة الديمقراطية” مستبعدا الصين وروسيا من قائمة المدعوّين ومضيفا تايوان. ويمكن القول ان ذلك يشكل استفزازا صارخا وإشارة واضحة لبرنامج يهدف الى تقسيم العالم وفق المعايير والمصالح الأميركية. لم يمر الحدث دون رد، إذ أعلنت الخارجية الصينية عن دراستها وتحليلها للديمقراطية الاميركية في بلد النشأ. في هذا السياق بعلم الجميع ان عدة دول شاركت في أعمال تلك القمة خشية ان تتعرض للعقوبة في حال رفضت.
ومن سخرية القدر تظهر العواقب بسرعة بعكس ما تشتهي الولايات المتحدة حيث تخلت نيكاراغوا عن كل تمثيل لها في تايوان احتراما لمبدأ الصين الواحدة.
إن الصين، بالمختصر المفيد، لن تسمح بعد اليوم للولايات المتحدة ممارسة الاساءات والهيمنة بحق دول مستقلة ذات سيادة، كما ستواصل الإضاءة على اسباب التوترات حول العالم، بما في ذلك تهديد السلم العالمي والسلامة المجتمعية والاقتصادية في دول ومناطق معينة. يجب ان يعرف العالم ان معظم التوترات القائمة حول العالم مرتبط بالولايات المتحدة، وما تسعى لنشره وتصديره تحت مسمّى الديمقراطية لا يمكن ان يكون مصدر ازدهار وبحبوحة لا في الدول الصغيرة ولا الكبيرة.
اما فيما يخص لبنان. الذي يدفع حاليا مستحقات متأخرة ثمنا لسياسات وتوجهات واصطفافات خاطئة اعنمدها منذ إعلان دولة لبنان الكبير على درج صغير في منزل عسكري محتل، فإن الصين اليوم تفتح ابوابها للتلاقي وتمد يدها للمساعدة. داعية بيروت بكلمات نزار قباني للقيامة، إذ “ان الثورة تولد من رحم الاحزان”.
لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا