شهدت العلاقات الصينية- اللبنانية خلال السنوات الأخيرة تطورا على كافة المستويات، وإن كان التعاون التجاري يظل أهمها. ودائما ما يبدي الجانبان اللبناني والصيني رغبتهما في تطوير العلاقات بينهما لتعزيز الصداقة والتعاون المتبادل، بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين. ففي رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس اللبناني ميشال عون إلى نظيره الصيني شي جين بينغ بمناسبة مرور 50 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قال عون إن لبنان يتطلع إلى توثيق علاقاته الثنائية مع الصين في كافة المجالات التي تعزز مصالح البلدين المشتركة.

إن عملية تعزيز العلاقات تحتاج إلى معرفة ثقافة البلدين ونمط الحياة فيهما، وتلعب وسائل الإعلام اللبنانية دورا رياديا في نشر الثقافة الصينية في لبنان. فلم يعد مقبولا، في عصر العولمة، القول إن الصين بعيدة جدا عن لبنان، بل على العكس، أصبحت الصين موجودة في كل بيت لبناني، ليس فقط عبر البضائع الصينية المتوفرة بكثرة في كل مكان، وإنما أيضا من خلال القنوات التلفزيونية الصينية التي تُبث عبر الأقمار الاصطناعية العربية، وأيضا بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام اللبنانية التي تقوم بعرض المسلسلات والأفلام الصينية، مما يساهم في التعرف على ثقافة الصين ونمط الحياة فيها.

لقد كان لبنان في فترة خمسينات وستينات القرن العشرين، أي قبل الحرب الأهلية اللبنانية، يلقب بهوليوود الشرق، حيث ساهم موقعه المميز في توزيع الأفلام الأجنبية إلى مختلف دول العالم. واليوم، فإن المشاهد اللبناني يتقبل كل ما يعرض له بسهولة المشاهدة في النهار والليل، وجهاز التلفاز يعد الوسيلة الأكثر انتشارا لتسلية الناس وتمضية الوقت، وهذا ما أدى إلى انحسار دور السينما والمسرح.

لقد فرضت الدراما المدبلجة في الآونة الأخيرة نفسها على العالم العربي ومن بينها لبنان، إذ يتابع الشعب اللبناني المسلسلات التركية والكورية والهندية ويتأثر بالأحداث التي تحصل. فهذه المسلسلات الأجنبية جذبت اهتمام المشاهد اللبناني لأسباب عدة منها، الأبطال الذين يتعلق بهم المشاهد ويتابع أخبارهم ويشاهد برامجهم؛ القصة المشوّقة للمسلسل التي تدغدغ مشاعره وتثير عواطفه فيتعاطف مع الممثلين ويتابع المسلسل بتشوق؛ اختيار صوت الدبلجة المناسب للشخصية المناسبة؛ دبلجة المسلسل باللهجة العامية اللبنانية؛ عملية الإعلان عن المسلسل واختيار المحطة المناسبة لعرضه.

يقبل المشاهد اللبناني على المسلسل الاجتماعي بوجه عام، أي المسلسل المشوق في قصته إذا كانت تداعب خياله وتشده وتحمسه، وإلى الأبطال ذوي الوسامة وأصحاب الكاريزما، وأيضا يشاهد اللبناني المسلسلات الكوميدية التي تكون سببا للاسترخاء والضحك. كما ينحاز إلى المسلسل الذي يمس واقعه وحياته دون تزّلف.

وقد دخلت المسلسلات والأفلام الصينية إلى الشاشة اللبنانية، وبالتالي إلى كل بيت لبناني. وساهمت الزيارات التي قام بها المسؤولون من الجانبين في توطيد العلاقات في مجال الإعلام. ففي عام 2012، قام وزير الإعلام اللبناني آنذاك وليد الداعوق بزيارة إلى الصين وأعجب بما شاهده من تطور مذهل في مجال استخدام التقنيات الحديثة في العمل التلفزيوني، وتوسيع نطاق استثمارها في خدمة الرسالة الإعلامية الكونية والتصاقها بقضايا الناس والتعبير عنها بواقعية وحرفية ومهنية عاليتين. وقال الداعوق: “قديما قيل اطلبوا العلم ولو في الصين. أما اليوم فيمكننا أن نقول، بعد كل ما رأيناه، اطلبوا الإعلام ولو في الصين.” وفي عام 2014، استقبل وزير الإعلام اللبناني السابق رمزي جريج في مكتبه في الوزارة سفير الصين السابق لدى لبنان جيانغ جيانغ يرافقه وفد إعلامي صيني، وجرت خلال هذه الزيارة مناقشات ومداولات حول سبل التعاون بين الإعلام الصيني واللبناني، وكيفية تعزيز التعاون القائم وتفعيله عن طريق تبادل الخبرات والدعم من قبل الصين لوسائل الإعلام اللبنانية.

ونتج عن اللقاءات والمشاورات بين البلدين توقيع العديد من الاتفاقيات. في عام 2018، وقعت مديرية البرامج والإنتاج في تلفزيون لبنان (التلفزيون الرسمي) اتفاقية تعاون مع قناة الأفلام في محطة التلفزيون الصينية المركزية(CCTV-6) ، تحت عنوان “شهر الأفلام الصينية”، حيث تم عرض عشرة أفلام صينية متنوعة ومترجمة إلى اللغة العربية لمدة شهر. وساهمت هذه الأفلام في معرفة الشعب اللبناني بالتاريخ والثقافة والعادات والتقاليد الاجتماعية للصين، إضافة إلى تطوراتها الحديثة والمناظر الخلابة فيها. وفي عام 2016، وقع اتفاق تعاون بين الصين وتلفزيون لبنان الرسمي، بموجبه قدمت الصين بعض التجهيزات ومسلسلات وأفلاما منوعة وأشرطة وثائقية. وقبل ذلك في عام 2013، وقعت مذكرة تعاون بين عدد من محطات التلفزة الصينية وتلفزيون لبنان، بهدف تبادل البرامج والخبرات الإعلامية بين الجانبين وتبادل الزيارات الإعلامية. وفي عام 2015، عرض تلفزيون لبنان الرسمي مسلسل “حياة سعيدة” الصيني مدبلجا باللهجة المصرية. وفي نفس العام أيضا عرضت المحطة نفسها مسلسلا صينيا آخر عنوانه “دودو”، كما عُرض على قناة “LBCI” الخاصة مسلسل “قلب واحد”. وفي إطار آخر، بُثت الحفلة الموسيقية الصينية- اللبنانية للاحتفال بعيد الربيع الصيني لعام 2021 على قناة تلفزيون لبنان، وتضمنت الحفلة عروضا لأوركسترا نانجينغ الوطنية للموسيقى والمعهد الوطني العالي للموسيقى اللبناني.

وفي إطار تبادل الخبرات بين الإعلاميين اللبنانيين والصينيين، قام وفد إعلامي لبناني من القطاعين العام والخاص بزيارة للصين استمرت عدة أيام، زار خلالها الوفد اللبناني بعض المؤسسات الإعلامية الصينية.

وتلعب المواقع الإلكترونية اللبنانية دورا في معرفة الشعب اللبناني بالثقافة الصينية ومتابعة الأحداث في الصين، وأهم هذه المواقع الإلكترونية موقع “الصين بعيون عربية”، الذي يُبقي القارئ العربي عامة على معرفة بأخبار الصين وعلاقاتها مع لبنان، ومع الدول العربية والعالم ككل، وقراءة المقالات والأبحاث والتحليلات المعدة من قبل عرب متخصصين في الشأن الصيني وصينيين ناطقين باللغة العربية.

كما ساهم الإعلام المقروء في لبنان، ولاسيما الكتب، في التعرف أكثر على الثقافة الصينية. منذ عدة عقود انتشرت مقولة لعميد الأدب العربي طه حسين: “القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ.” لقد كانت بيروت قبلة للمثقف والقارئ وأسهمت دور النشر اللبنانية إسهاما فائق الأهمية في حركة الترجمة وفي نشر روائع الأدب العالمي، وفي تأسيس صلة ثقافية بين المثقفين في لبنان والأدب العالمي.

أما دور النشر التي أصدرت كتبا مترجمة عن اللغة الصينية فهي: أولا، مؤسسة الفكر العربي، التي تأسست في عام 2000 بمبادرة من الأمير خالد الفيصل وبدعم من كوكبة من أهل الفكر وأصحاب المال رجال الأعمال. تضم المؤسسة مشروع “حضارة واحدة”، وهي عبارة عن كتب تصدرها المؤسسة وتعنى بترجمة أمهات الكتب الفكرية نقلا عن لغات العالم الحية، بهدف انفتاح الفكر العربي على النتاج الفكري العالمي، وانطلاقا من اهتمام المؤسسة بمختلف المعارف والعلوم ذات الأهداف والموضوعات المتنوعة، لإفادة أوسع شريحة من القراء في الوطن العربي.

وضمن إطار هذا المشروع، تمت ترجمة روائع صينية إلى العربية وذلك بالتعاون مع خبراء صينيين في التدريس والبحث والترجمة. ومن هذه الأعمال: ((ليه تسي في أحضان الريح)) للفيلسوف والأديب الصيني ليه يوي كوه “المعروف باسم ليه تسي”، وقد تولّى تعريب الكتاب البروفيسور وانغ يو يونغ (فيصل)، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية في الصين، وقام بمراجعته الدكتور بلال عبد الهادي، من لبنان؛ ((شيون تسي بين الكونفوشية والقانونية)) للفيلسوف والمعلم الصيني شيون كوانغ “المعروف باسم شيون تسي”، وقام بتعريب الكتاب عن الصينية مباشرة البروفيسور وانغ يو يونغ (فيصل)، وقامت بمراجعته البروفيسورة تشي مينغ مين (ليلى)، أستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين؛ ((التعليم الجديد في الصين)) للمؤلف تشو يونغ شين، وترجمته الأستاذة وانغ فو؛ ((مختارات من النثر الصيني في أسرتي تانغ وسونغ)) لمؤلفيه هان يوي وليو تسونغ يوان وغيرهما، وقامت بمراجعته البروفيسورة تشي مينغ مين (ليلى). ثانيا، الدار العربية للعلوم ناشرون، والتي تأسست في العام 1987، تصدر الدار كتبا تتوجه إلى مختلف الشرائح العمرية والاهتمامات والمستويات الثقافية والعملية والفكرية. وتشمل منشوراتها أفقا واسعا يخاطب الأطفال والناشئة والطلاب والمهنيين والمثقفين. شاركت الدار في معرض بكين الدولي للكتاب عام 2018، بأكثر من 150 كتابا صينيا مترجما إلى العربية، في مجالات الثقافة والعمارة والتاريخ والفلسفة وغيرها. عملت المؤسسة خلال السنوات الأخيرة على تكثيف التعاون مع دور النشر الصينية، حيث تربطها علاقات تعاون قوية مع عدة دور نشر صينية. فمع دار سينولينغوا للنشر، أصدرت العديد من الكتب منها سلسلة ((الصين عن قرب)) للكاتب يانغ دان ووانغ شين لينغ و((الحياة في الصين الحديثة)) للكاتب لي لو شينغ، ((قصة الرياضة في الصين))، ((أيام المدرسة))، ((إلى الأرياف الصينية))، وغيرها. ثالثا، دار المستقبل الرقمي للنشر والتوزيع، حيث ترجمت الدار العديد من الكتب الصينية إلى العربية في مختلف المجالات، ومنها ((الهروب إلى القمر)) للكاتب لو مين؛ ((الكرز أثمر على شجر الرمان)) للكاتب لي إر؛ ((أصغر بابلي شاب تائه)) للكاتب لو ني؛ ((حديقة أزهار الفاوانيا)) للكاتب تانغ تشين تسو؛ ((مروحة أزهار الدرّاق)) للكاتب كونغ شانغ رن؛ ((قصر الشباب الدائم)) للكاتب هونغ شينغ؛ ((يد بيد.. نصف قرن من الصداقة الصينية- اللبنانية)) تأليف ليو يوان بي، وو فو قوي، وانغ يان، وترجمته الدكتورة فايزة سعيد كاب، والكتاب عبارة عن قصص وتجارب بعض الشخصيات الصينية واللبنانية المرموقة التي دفعت خلال عقد من الزمن بالعلاقات الصداقة الصينية- اللبنانية نحو الأفضل.

وعلى الرغم من التقدم في العلاقات اللبنانية- الصينية، يجب إيلاء اهتمام أكثر للتعاون الإعلامي، لاسيما من جهة الجانب اللبناني، لما للإعلام من دور أساسي في تنمية وتعزيز العلاقات بين البلدين، ويكون ذلك من خلال: تكثيف الدورات التدريبية للصحفيين والمحررين اللبنانيين، بهدف الاستفادة من القدرات والخبرات الصينية؛ زيادة الدعم التقني للمؤسسات الإعلامية اللبنانية الخاصة والرسمي؛ تخصيص الإعلام اللبناني مساحة كبيرة، لمواكبة الأحداث الجارية في الصين؛ إجراء مقابلات مع خبراء صينيين وعرب، لتحليل الأحداث الجارية؛ دعوة الإعلاميين والصحفيين والمراسلين الصينيين لزيارة لبنان، بهدف التعرف عن قرب على نمط العمل الإعلامي اللبناني والصعوبات التي يواجهها؛ زيادة التعاون والتواصل بين المراسلين الصينيين واللبنانيين، بهدف إعطاء المعلومات الصحيحة حول الأحداث الحاصلة بين البلدين دون الاعتماد على المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية؛ دعم تبادل ترجمة وعرض المسلسلات والأفلام التلفزيونية بين الجانبين الصيني واللبناني. ويذكر في هذا الاطار أن الفيلم اللبناني “كفرناحوم” ترجم إلى اللغة الصينية وعرض في صالات السينما في الصين ونال إعجاب الجمهور الصيني؛ زيادة المواقع الإلكترونية اللبنانية التي تعنى بعرض المسلسلات والأخبار الصينية؛ التعاون بين الإعلاميين اللبنانيين والصينيين في مجال نشر الأخبار عن كلا البلدين في وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة تجذب الشعبين؛ تشجيع المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية من الجانبين على المشاركة في المهرجانات الإذاعية والتلفزيونية المقامة في الجانب الآخر؛ وزيادة التعاون بين دور النشر في كلا البلدين.