تلبية لدعوة من الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، ترأّس السيد تشيو تشينغ شان، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني رئيس معهد تاريخ وأدبيات الحزب للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وفداً من الحزب الشيوعي الصيني لزيارة لبنان من يوم 6 إلى 7 حزيران، والتقى برئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل، دولة السيد نبيه البري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، السيد تيمور جنبلاط، والأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، السيد حنّا غريب، كما حضر السيد تشو تشينغ شان “مؤتمر الحوار للتبادل والتعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية واللبنانية” الذي شارك فيه لبنانيون من جميع مناحي الحياة، وتحدث بعمق عن روح المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني.

 

 

أعرب الجانب اللبناني عن تقديره الكبير لإنجازات المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وعبّر عن رغبته في تعزيز التبادلات والتعلم المتبادل مع الجانب الصيني، وتعميق التعاون العملي، وتعزيز تنمية العلاقات الثنائية.

 

 

النص الكامل لكلمة السيد تشيو تشينغ شان، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني رئيس معهد تاريخ وأدبيات الحزب للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني:

 

يسرني أن  أزور بيروت الجميل ويشرفني بإتاحة الفرصة لأشارك الأصدقاء اللبنانيين من الأحزاب السياسية والمنظمات السياسية والمؤسسات الفكرية ووسائل الإعلام في مؤتمر الحوار للتواصل والتعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية واللبنانية. إنه المرة الأولى بالنسبة الي  لزيارة لبنان حيث تركت المناظر الطبيعية الجميلة والثقافة التاريخية العريقة انطباعا عميقا وطيبا في ذهني،  كما شعرت بالألفة من خلال استقبالكم الرقيق. يصادف العام الجاري الذكرى الثمانين لاستقلال لبنان يطيب لي أن أعبر عن التهاني الحارة للشعب اللبناني.

 

في نوفمبر العام الماضي بعث الحزب الشيوعي الصيني وفدا لزيارة لبنان وعقد جلسة الإحاطة للروح المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني حيث حضر الأصدقاء من الأحزاب السياسية والمنظمات السياسية والمؤسسات الفكرية ووسائل الإعلام المؤتمر ويتفاعل بعضهم البعض بنشاط.

 

وبعد نصف سنة زار وفد الحزب الشيوعي الصيني مجددا لبنان وأقام المؤتمر مما يجسد عمق الصداقة وكثافة التواصل بين الجانبين الصيني واللبناني. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأعرض لكم الأحداث الكبرى التي حصلت في الصين والحزب الشيوعي الصيني بعد هذه الزيارة. أولا بعد انتخاب القيادة المركزية الجديدة في المؤتمر الوطني العشرين في أكتوبر الماضي، تم اعادة انتخاب الرفيق شي جين بينغ رئيسا للصين ورئيسا للجنة العسكرية المركزية للصين في الدورة الأولى للمجلس الوطني 14 لنواب الشعب الصيني مارس العام الجاري مما يعكس الإرادة والأمنية المشتركة لكل أعضاء الحزب والجيش وأبناء الشعب الصيني بمختلف قومياتهم. كما يوفر ضمانا أساسيًا لتطور الصين مستقبلا. بعث عديد من كبار المسؤولين اللبنانيين برقية التهاني الى الرئيس شي جينبينغ هذا محل تقديرنا.

 

 ثانيا نجري حملة التثقيف بشأن دراسة وتنفيذ فكر شي جينبينغ حول الاشتراكي ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد بغية إلزام كل أعضاء الحزب بالفكر الموحد والإرادة الثابتة والتحركات المتناسقة كي  يلتف حول الجنة المركزية ونواتها رفيق شي جينبينغ بشكل أوثق. نحرص على تقاسم الخبرات حول الحكم والإدارة مع الأصدقاء اللبنانيين من الأوساط المختلفة مع دمج مخرجات هذه حملة التثقيف.

 

 ثالثا في مارس هذا العام ونجحنا في إقامة المؤتمر الحوار الرفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب العالم حيث ألقى الأمين العام شي خطابا رئيسيا وطرح مبادرة الحضارة العالمية لأول مرة باعتبارها منتجة صينية عامة أخرى بعد مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي. الأمر الذي يدعو الى احترام تنوع الحضارات العالمية وتكريس القيم المشتركة للبشرية واهتمام بتوارث الثقافة وابتكارها وتعزيز التواصل والتعاون الانساني والدولي ومن شأنه أعرب عن أمنية الحزب الشيوعي الصين الصادقة للعمل سويا مع أحزاب العالم للمضي قدما في قضية التحديث ذات الخصائص المحلية وتعزيز التواصل والتنافع وبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية مما يوفر حلول صينية لدفع عملية التحديث العالمية وتقدم حضارة البشرية.

 

في الوقت الراهنة، يعتبر اكتشاف طريق التحديث وتعزيز التناغم والتعلم المتبادل عنوانا مهما يشغل بال البشرية كلها، لذا حظي التحديث الصيني النمط ومبادرة الحضارة العالمية اهتماما واسع النطاق من المجتمع الدولي. يعد التحديث قضية المشتركة للبشرية كلها. قاد الحزب الشرعي الصيني الشعب الصيني انطلاق من أرض الواقع مع الاعتماد على الذات والحفاظ على الاستقلال من الناحية ومن الناحية الأخرى استوعب واستفاد الحزب الشيوعي الصيني خلال عملية الاصلاح والانفتاح بتجارب الدول الأخرى في تحقيق التحديثات مما دفع وطور التحديث الصيني النمط بنجاح. منذ المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، ضغطت الصين “زر التسريع” في بناء التحديث الصيني النمط تحت القيادة القوية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ونواتها الرفيق شي جينبينغ، وأضافت منجزات جديدة إلى المعجزتين العظيمتين وهما التنمية الاقتصادية السريعة والاستقرار الاجتماعي الطويل الأجل، وأنجزت المهام التاريخية المتمثلة في القضاء على الفقر وبناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وحققت هدف الكفاح بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، كما حققت القفزة العظيمة للأمة الصينية من الوقوف على قدميها ثم تحقيق الثراء وصولا إلى تعزيز قوتها، مما أدخلت النهضة العظيمة للأمة الصينية إلى مسيرة تاريخية لا رجعة لها.

 

ان التحديث الصيني النمط هو التحديث الاشتراكي يتسم بالصفات المشتركة للتحديث في مختلف البلدان، ويتميز  بالخصائص الصينية القائمة على واقع الصين أيضا. التحديث الصيني النمط هو التحديث  يغطي حجما سكانيا هائل ويتمتع فيه أبناء الشعب كافة برخاء مشترك ويتحقق فيه التوافق بين الحضارتين المادية والمعنوية ويتعايش فيه الإنسان والطبيعة بانسجام ووئام ويسلك طريق التنمية السلمية. في الماضي كان بعض البلدان يحقق تحديثه عبر أساليب مثل الحرب والاستعمار والنهب لقد جلب شقاء خطيرا على شعوب الدول النامية الغفيرة. في المقابل أكد التحديث الصيني النمط على  ضرورة تعزيز المنفعة المتبادلة والفوز المشترك مع سائر دول العالم  والمضي قُدما في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية لتقديم المساهمة في السلام والتنمية  للبشرية. من منظور مسار تحقيق التحديث للبشرية وسع التحديث الصيني النمط سبيلا لتحقيق التحديث للدول النامية وتوفر خيارًا جديدًا لتلك الدول في العالم التي ترغب في تسريع وتيرة التنمية مع الحفاظ على استقلالها في نفس الوقت.

 

مازالت تواجه دول العالم عديدا من التحديات في عملية اكتشاف طريق التحديث. استعراضا لعملية الصين في اكتشافه، نشعر بكل الاحساس أن هناك  الترابط الداخلي لا ينفصل بين طريق التحديث وحضارة البلد والتناغم الحضاري.

 

 التجذر في أرض الحضارة يزيد طريق التحديث متانة. تحقيق التحديث لبلد ما يجب التزام بالقانون العام للتحديث ويعتمد بوجه الخصوص على واقعه. ان طرق التحديث المتميزة بالخصائص المختلفة لبلدان والمناطق المختلفة  تتجذر في التوارث الحضاري المتنوع والطويل. اكتشاف طريق التحديث الصيني يتأصل في الأرض الخصب للحضارة الصينية الممتد لأكثر من خمس آلاف سنة والرصيد العميق للثقافة التقليدية المتميزة للأمة الصينية. اثبتت ممارستها بجلاء أن التحديث لم يكن انهيار والانزواء للحضارة القديمة بل الولادة الجديدة للحضارة التقليدية

 

احترام تنوع الحضارات يزيد طريق التحديث اتساعا. تتألق الحضارات المختلفة التي خلقها مجتمع البشرية بالأضواء الباهرة وقدم المساهمة المهمة لعملية تحديث مجتمع البشرية. اذ تجمع كل حضارة الذكاء الخارق العادة والسعي الروحي لبلد والأمة وتتمتع بقيم وجودها.  ولا فرق بين الحضارات إلا بأنواعها، ولن يكون هناك فرق من حيث الدرجة الأجود أو الأسوأ، والوضع الممتاز أو المتردي.ان التنوع الحضاري وجود موضوعي وهو ثراء ثمين مشترك للمجتمع البشري. لا يمكن المضي قدما بعملية تحديثات العالم خلال دمج الحضارات وتواصلها الا بعد نبذ نظرية التفوق الحضاري ونظرية الصراع الحضاري

 

دفع التواصل الحضاري يزيد طريق التحديث جمالا. يعد التواصل والتعلم المتبادل بين الحضارات مطلبا جوهريا لتنمية الحضارات تتواصل الحضارات بعضها مع البعض بفضل تنوعها وتستفيد بعضها من البعض بفضل التواصل وتتطور  بفضل الاستفادة المتبادلة. تراجعا وراء التاريخ . هناك ايام اليسر وايام العسر للتواصل بين مختلف الحضارات، دائما ما تكون مرحلة التواصل الحضاري الكبرى عصرا لتنمية المزدهرة والسريعة  لمختلف الحضارات. وبالعكس ستكون عصرا لتخلف الاجتماعي وانحطاط الحضاري. في اليوم الحالي الذي يشهد مصير دول العالم ترابطا وثيقا، ان التعايش والتسامح والتواصل والتنافع بين الحضارات المختلفة لعب دورا لا بديل له في دفع عملية تحديث مجتمع البشرية واثراء حديقة الحضارات العالمية.

 

ايها الاصدقاء

 

في الوقت الحالية، يشهد العالم تشابكا وتدخلا بين التحديات والأزمات المختلفة، اذ يواجه تعافي الاقتصاد العالمي صعوبة وتتسع الفجوة التنموية باستمرار وتتدهور البيئة باطراد وتخيم عقلية الحرب الباردة وقد وصلت عملية التحديث البشري إلى مفترق طرق من جديد. في اليوم الذي يترابط مستقبل مختلف الدول ترابطا وثيقا، يجب علينا ندعو سويا الى احترام تنوع حضارات العالم وتعزيز التعاون الانساني الدولي. إن مباردة الحضارة العالمية تغني وتوسع سبل الممارسة لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية مما يوفر مزيدا من الإرشاد والألهام الفكري لاتجاه تقدم المجتمع البشري.

 

ينتمي كل من الصين ولبنان الى دولة ذات الحضارة العريقة والتاريخ الطويل وقد ساهما بالمساهمة الجليلة للحضارة البشرية. نحرص على بذل الجهود المشتركة مع الجانب اللبناني لتعزيز حوار المتبادل المنفعة بين حضارتين البلدين وتبادل خبرات بناء التحديثات على نحو معمق ومواجهة كافة التحديات التي تواجه البشرية لدفع بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. من هنا أنا مستعد لطرح عدة الاقتراحات.

 

أولا تبادل الدعم الثابت مما يسطر صفحة جديدة للصداقة التقليدية.  على مدى 52 عام منذ اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ظل البلدان يشاركان في السراء والضراء بروح الفريق الواحد مما يسجل صحفة جيدة للتواصل بين الدول القائم على الصدق والمساواة. نشكر من صميم قلبنا على دعم الجانب اللبناني في قضية تيوان والمتعلقة بشينجوان. في المقابل  ظل الجانب الصيني يدعم جهود لبنان في حماية سيادة البلاد وسلامة أراضيه واستقلاله. على المدى الطويل ظلت الصين تقدم المساعدة دون شروط سياسية الى لبنان عبر القناة الثنائية والمتعددة الأطراف وتشارك بنشاط في عملية حفظ السلام جنوب لبنان. في ديسمبر العام الماضي، عقد اللقاء بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش القمة  الصينية العربية الأولى مما يضخ الدينامكية الجديدة لتطور العلاقات بين البلدين. نحرص على العمل مع الجانب اللبناني لتنفيذ التوافقات الهامة التي توصل اليها قادة البلدين وتعزيز الحوار السياسي والتنسيق السياسي لمواصلة تبادل الدعم والتفاهم فيما يتعلق بالمصالح الجوهرية والانشغالات الكبرى ليبني السياج القوي للمصالح المشتركة بين البلدين.

 

ثانيا تعميق التعاون العملي مما يولد الطاقة الحركية لبناء التحديثات الصينية اللبنانية. تعتبر الصين أكبر شريك تجاري  للبنان لسنوات متتالية كما يدعم لبنان مبادرة التنمية العالمية المطروحة من الصين وانضم لبنان مبادرة الحزام والطريق والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. اذ نرى بارتياح ان مشروع المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى الممول من الحكومة الصيني يتقدم بخطوات متزنة ويحافظ التواصل التجاري بين الصين ولبنان على زخم النمو القوي باستمرار. في وجه المستقبل نحرص على تعزيز مواءمة بين الاستراتيجية التنموية مع الجانب اللبناني والمضي قدما بالتعاون المتبادل المنفعة في اطار الحزام والطريق كي يدفع التعاون الودي الصيني اللبناني أن تحرز النتائج المثمرة.

 

ثالثا: تعزيز التواصل الحضاري مما أضفى  الحيوية النابضة لحضارات البشرية المتنوعة. أثبت التاريخ أن لا تنعم الحضارة بالحيوية الا من خلال التواصل والتنافع. ابتداءا من انتشار البوذية شرقا والتواصل بين البوذية والكونفوشيوسية تاريخيا مرورا الى انتشار التعلم الغربي شرقا وحركة الثقافة الجديدة وانتشار الماركسية والأفكار الاشتراكية الى الصين وصولا الى الاتنفاح الشامل الابعاد على الخارج بعد الاصلاح والانفتاح ظلت الحضارة الصينية تتجدد مع مرور الزمان من خلال الاستفادة الشاملة والواسعة.  باعتباره منطقة التلاقي بين اوروبا واسيا وافريقيا ظل لبنان ممرا لتلاقي بين الحضارة المصرية القديمة والحضارة البابلية القديمة والمرفأ لتواصل بين الحضارة المسيحية والاسلامية مما نصب نموذجا فريدا للتواصل بين الحضارات المختلفة. في المستقبل نحرص على تعزيز التواصل الحضاري والاستفاد المتبادلة مع الجانب اللبناني رفض سويا نظرية التفوق الحضاري والصراع الحضراي بكافة أشكالها واستفاد واستوعب بلب حضارة الجانب الأخر انطلاقا من  موقف الاحترام والتواضع كي يجعل التواصل الحضاري والاستفادة المتبادلة  جسورا يعزز صداقة شعبي البلدين ويوفر تغذية معنوية للتعاون بين البلدين.

 

رابعا: الدفاع عن النظام الدولي لتقديم المساهمة الجديدة من أجل حماية العدالة الإنصاف الدوليين.لا شيء أكثر فائدة من الاستقرار الاجتماعي ولا شيء أكثر اضرارا من الفوضى, تعد مقاصد والمبادئ لميثاق الأمم المتحدة حجر الزاوية المهم لاستقرار النظام الدولي ونصب هيكل العلاقات الدولية المستقرة لبناء التحديثات دول العالم.  لقد انتهى عصر الهيمنة والقطب الواحد الذي انفردت الدولة الواحدة على الشؤون الدولية بشكل  تاريخي ان تيار دمقراط العلاقات الدولية والمتعدد الأقطاب العالمية لا تقاوم. يحرص الجانب الصيني على العمل مع الجانب اللبناني لتعزيز التنسيق والتعاون في المحافل المتعددة الأطراف ورفض الهيمنة وسياسة القوة بكل أشكالها وممارسة التعددية الحقيقية ليصون العدالة والانصاف الدوليين مما يحمي المصالح المشتركة للدول النامية الغفيرة ودفع اكمال منظومة الحوكمة العالمية وايجاد حلول المشاكل العالمية

 

ايها الصدقاء

 

قال الأديب العملاق اللبناني جبران خلال جبران : ” الارض كلها وطني والعائلة البشرية عشيرتي. دعونا أن نعمل سويا لدفع الاحترام المتبادل والتعايش المتناغم بين مختلف الحضارات لتكون التعلم المتبادل  بين الحضارات جسورا يعزز زيادة صداقة شعوب العالم.