في يناير 2004، أعلنت الصين والدول العربية من مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، عن إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي. وخلال 20 عاما، مرّ الوقت بسرعة، وخاض منتدى التعاون الصيني العربي رحلة غير عادية على امتداد عقدين. ووسط تقلّبات الوضع الدولي واهتزازات الشرق الأوسط، تقدم منتدى التعاون الصيني العربي بقوة مثل سفينة عملاقة تواجه الأمواج العاصفة. وأصبح مع الوقت محركا رئيسيا لتطور العلاقات العربية الصينية، وأسّس مثالا ناجحا للتعاون الإقليمي وعلامة ذهبية للتعاون الجماعي الصيني العربي.
بصفتي أول مفوض صيني لدى جامعة الدول العربية، كنت شهادا على إنشاء المنتدى وتطوره. وقد أثارت الإنجازات الرائعة التي حققها المنتدى إعجابي. وكنت مليئا بالتطلّعات نحو الدور الذي سيلعبه المنتدى في تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والدول العربية.
علامة فارقة في العلاقات الصينية العربية خلال القرن الجديد
لقد كان إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي قرارا استراتيجيا من قبل الصين وجامعة الدول العربية، يهدف إلى تنمية العلاقات الصينية العربية على المدى الطويل. ومع دخول العالم إلى القرن الجديد، تعرّضت الولايات المتحدة إلى أحداث “11 سبتمبر”. ونتيجة لهذه الهجمات، جعلت الولايات المتحدة مكافحة الإرهاب على رأس أولوياتها الدبلوماسية، وأصبح الشرق الأوسط ساحة معركتها الرئيسية.
وأثناء غزْوها لأفغانستان والعراق، روجت الولايات المتحدة بقوة لما أسمته “الشرق الأوسط الكبير”. مستهدفة “القضاء على التربة الحاضنة للإرهاب”. وقد تسبب ذلك في تسليط ضغوط هائلة على العالم العربي والإسلامي، ودفع الدول العربية والإسلامية للبحث عن الدعم من الدول الصديقة وتوسيع المجال الدبلوماسي للمناورة.
ومع دخول الصين مرحلة جديدة من التنمية، واجهت الصين أيضا وضعا جديدا مليئا بالفرص والتحديات. ولأن العالم العربي يعدّ جزءً مهما من الدول النامية وله علاقات تعاون ودية تقليدية ومتبادلة المنفعة مع الصين، كان تعميق علاقات التعاون مع الدول النامية ومواصلة ترسيخ أسس الدبلوماسية الصينية مهمة ذات أولوية بالنسبة لبلادنا. كما يتماشى ذلك مع المصالح المشتركة بين الصين والدول العربية. وفي ظل هذه الخلفية، ظهر إلى الوجود منتدى التعاون الصيني العربي، الذي نشأ على أسس التشاور بين الصين وجامعة الدول العربية.
في 30 يناير 2004، تم تأسيس مقر منتدى التعاون الصيني العربي على ضفاف نهر النيل. وفي ذلك الوقت، كنت قد بدأت عملي كسفير صيني في مصر منذ 4 أشهر فقط، ومازلت أذكر بوضوح المشهد المفعم بالحيوية الذي ساد يوم تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي.
خلال مسيرة تطوّر المنتدى، تفرعت عنه 17 آلية حوار وتعاون بين الصين والدول العربية. على غرار ندوة حوار الحضارتين الصينية والعربية، والمنتدى الصيني العربي للإصلاح والتنمية، ومؤتمر رواد الأعمال وندوة الاستثمار، ومؤتمر التعاون الطاقي الصيني العربي ومؤتمر التعاون الصحي الصيني العربي، إلخ. وتقوم كل آلية تعاون بتنظيم نشاط في الصين والدول العربية بشكل متناوب كل عامين. وقد تأسس منتدى التعاون الصيني العربي على أساس الصداقة التقليدية بين الجانبين وعلى خلفية الاحتياجات المشتركة للجانبين في القرن الجديد، وأصبح علامة بارزة في العلاقات الصينية العربية.
الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية مستمرّة في التحسن
في سبتمبر 2004، أجرى وزير الخارجية الصيني آنذاك لي تشاو شينغ زيارة إلى مصر. وفي 14 سبتمبر، شارك في رئاسة الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الصيني العربي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك عمرو موسى. ووقعا بشكل مشترك على “إعلان منتدى التعاون بين الصين والدول العربية”، وبرنامج عمل منتدى التعاون بين الصين والدول العربية”. مما مثل انطلاقة رسمية لأعمال منتدى التعاون الصيني العربي.
بعد ذلك، توصلت الصين والدول العربية إلى اتفاق بشأن إرسال الصين مفوضا إلى جامعة الدول العربية، وهو منصب يشغله سفير الصين لدى مصر. وفي 15 نوفمبر 2005، قدّمتُ إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى خطاب التعيين موقعاً من وزير الخارجية لي تشاو شينغ، بتعييني مفوضاً لجمهورية الصين الشعبية لدى جامعة الدول العربية. وقد دُعيت بصفتي مفوض الصين لحضور اجتماعات مجلس وزراء الخارجية، التي كانت تعقد في مقر الجامعة العربية مرتين سنوياً، وحضور القمة العربية التي تعقد سنوياً بالرئاسة الدورية للجامعة العربية.
بحلول عام 2022، انعقد المؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي للمرة التاسعة، وشهدت الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية تحسّنا ملحوظا ومستمرّا. وبعد وقت قصير من انتهاء مهمتي كسفير لدى مصر ومفوض لدى جامعة الدول العربية، عملت كمبعوث خاص للحكومة الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط. وقد أتيحت لي الفرصة للمشاركة في بعض أنشطة منتدى التعاون الصيني العربي، لاسيما المؤتمرات الوزارية الثلاثة التي عقدت في الصين، وشهد المنتدى صموده أمام اختبارات الأوضاع الدولية المتغيرة، وتم إثراء محتوى التعاون بشكل مستمر، والارتقاء بالعلاقات الصينية العربية إلى “شراكة استراتيجية صينية عربية للتعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه المستقبلي.”
البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق
لعب منتدى التعاون الصيني العربي دورا مهما في موائمة مبادرة الحزام والطريق الصينية مع مختلف خطط التنمية في الدول العربية. وحققت هذه الموائمة نتائج مثمرة في مختلف المجالات. كما تبادلت الصين والدول العربية الدعم في العديد من القضايا الرئيسية وذات الاهتمام المشترك.
وتدعم الصين الدول العربية في اختيار طرق التنمية التي تناسب ظروفها المحلّية، وتواصل دعمها للقضية العادلة للشعب الفلسطيني، من أجل استعادة حقوقه الوطنية المشروعة، إلى جانب دعمها لتحقيق السلام في الشرق الأوسط على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية. وبعد اندلاع الصراع العسكري في غزّة في أكتوبر 2023، نسقت الصين مع الدول العربية بشكل مكثف، ودعت إلى وقف مبكر لإطلاق النار وإنهاء الحرب. كما عززت الجهود المشتركة التي يبذلها المجتمع الدولي للحد من الكارثة الإنسانية في غزة، ووقف إطلاق النار بشكل مبكر وإنهاء الحرب، وطالبت بعودة القضية الفلسطينية إلى مسار المفاوضات لتحقيق “حل الدولتين”.
في المقابل، التزمت الدول العربية دائما بمبدأ الصين الواحدة ودعمت إعادة توحيد الصين سلميا. كما قدّمت الدعم لجهود الصين في الحفاظ على الاستقرار وحماية حقوق الإنسان. وقام الجانبان بإجراء مشاورات سياسية وتنسيق بشأن القضايا الدولية والإقليمية، مما وضع أساسًا متينًا لتعاون أوسع بين الجانبين.
ولا شك في أن البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، سيجلب المنافع للشعب الصيني والشعوب العربية، ويسهم في التنمية والرخاء العالميين. حيث تعمل الصين والدول العربية بنشاط على بناء شراكة استراتيجية صينية عربية في مجال الطاقة متبادلة المنفعة وطويلة الأمد، وبناء نمط تعاون صيني عربي في مجال الطاقة، يركز على تعاون النفط والغاز وتطوير الطاقة النووية السلمية وتسريع تطور الطاقة النظيفة. كما يعمل التعاون الصيني العربي في مجال الطاقة على تسريع التحول الرقمي لصناعة النفط والغاز في الدول العربية.
وفي مجال الطاقة الجديدة، وسعت الصين من تعاونها مع الدول العربية في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية وغيرها من المجالات. وتعاونت مع العديد من الدول العربية لبناء عدد كبير من المشاريع. وفي إطار خطة الشراكة بين الصين والإمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا، نجح الجانبان في تحقيق اختراقات جديدة في مجال التكنولوجيا الفائقة. وعلى صعيد اتصالات الجيل الخامس، أصبحت الشركات الصينية شريكا رئيسيا للدول العربية. وفي مجالي الطاقة النووية والأقمار الصناعية، شهد التعاون الصيني العربي تطورا ملحوظا.
من جهة أخرى، شهدت التبادلات الإنسانية بين الصين والدول العربية حركية ملحوظة. فمنذ عام 2005، تم عقد ندوة الحوار الحضاري العربي الصيني 10 مرّات. وتحولت الندوة إلى منصة للتبادل الحضاري البيني والتعلم المتبادل. ويتمسك الجانبان الصيني والعربي بالحوار والتبادل والتعاون المنفتح، وباتا يمثلان نموذجا للتناغم الحضاري.
واليوم، يواجه العالم تحديات وأزمات مختلفة، وتتصاعد أفكار الحرب الباردة والمعسكرات. وهوما يطرح مصاعب وتحدّيات أمام العمل الصيني العربي، ويجعل من التقدّم إلى الأمام ليس بالمهمة السهلة. ومع ذلك، يمكن لمنتدى التعاون الصيني العربي أن يبتكر آليات وطرق جديدة لتطوير التعاون، وتجاوز اختناقات التنمية وتحرير القدرات الكامنة.
وفي ديسمبر 2022، قامت القمّة الصينية العربية الأولى التي عقدت في الرياض، بترقية منتدى التعاون الصيني العربي إلى مستوى أعلى، مما ضخ في المنتدى قوة دفع جديدة.
وبالتطلّع إلى المستقبل، ستواصل الصين والدول العربية العمل معًا من أجل بناء مبادرة “الحزام والطريق”، ومن أجل ترقية منتدى التعاون الصيني العربي، بما يضخ الاستقرار والطاقة الإيجابية في عالم متشابك ومعقد. وفي العصر الجديد، ستكتب الحضارتان الصينية والعربية فصلا جديدا من فصول المصير المشترك للبشرية.